لماذا أغلب حواراتنا تنتمى إلى نوعية حوار الطرشان؟، لماذا نتكلم بالساعات ونصرخ ونتجادل ثم عندما يذهب كل منا إلى حال سبيله يجد أن الحصيلة صفر؟!، دائماً نقول إن ربنا خلق لنا أذنين وفماً واحداً لكى نستمع أكثر مما نتكلم، لكننا لا نلقى بالاً لتلك النعمة الإلهية ونكفر بها ونتكلم أكثر مما نستمع، ويُركِّب كل منا فى فمه مدفعاً رشاشاً سريع الطلقات، أما أذنه فيُركِّب فيها سدادة صمغية شمعية حتى لا تنفذ الكلمات من أسفل عقب باب صيوان الأذن!، فكلنا يمتلك الحقيقة لذلك نتعالى على أن ننصت ونستمع للطرف الآخر، وكلنا نحتكر مفاتيح أبواب الصدق وحلول شفرات الأسرار والألغاز، والذى نعرفه طشاش تحله الفهلوة وتعرفهولنا الفكاكة (ملحوظة: لاتسألونى عن معنى الفكاكة!).

استمتعت بكتاب صغير الحجم كبير المعنى اسمه «فن الكلام» للدكتور إيهاب فكرى، وأكثر مناطق الكتاب جاذبية كانت عن فن الاستماع لا عن فن الكلام، المؤلف دارس لإدارة الأعمال وكتب الكتاب من واقع خبرته فى هذا المجال، كتبه بأسلوب غاية فى السلاسة والذكاء.

يبدأ د. إيهاب كتابه بمعلومة صادمة وهى فضلاً عن أننا لا نجيد فن الحوار والإجابة، فنحن لا نجيد من الأصل فن السؤال!، وهذه مصيبة لأن السؤال الصح نصف الإجابة الصح، أما الإنصات الإيجابى فهو قارب النجاة فى كل حواراتنا، وكما قال سيدنا سليمان فى التوراة «الأحمق الساكت يحسب مع الحكماء»، الصمت الإيجابى الناتج عن حب المعرفة أهم من الصمت السلبى الناتج عن نقص الثقة بالنفس، نريد من يمنح الاهتمام للشخص قبل الكلام ولا يهز رأسه بملل أو يصرخ منفعلاً «يا راجل» على معلومة هايفه، المهم أن تدرب نفسك على الاستماع حتى فى البيت.

نحن لا نتناقش ولكن نتجادل، الفرق كبير والبون شاسع، النقاش حوار صحى يهدف فى النهاية للوصول إلى الحقيقة ونقاط الاتفاق، الجدل هو حدة وهجوم وليس هدفه تغليب الحقيقة ولكن تغليب شخص على آخر، أولى صفات الجدل غير الصحى هى المقابلة، وهى أن تبطح محاورك بأن كل كلامه غلط من البداية فيبحث المحاور عن انتقام شخصى وثأر خاص، يأتى رفع الصوت وسرعة الرد وكثرة المقاطعة كعيوب جوهرية فى نقاشاتنا أو بالأصح مجادلاتنا.

توجيه النقد لشخص المتكلم من أخطر عيوب حواراتنا، فالأصل هو نقد الكلام وليس نقد المتكلم، هذه الآفة الخطيرة تجعلنا نفشل فى الوصول لشاطئ الحقيقة، نتمنى أن نصل إلى الأسلوب المناسب للحوار بيننا، فهناك حوار البينج بونج السريع، وهناك حوار التنس الأكثر هدوءاً والأقل سرعة، وهناك حوار الجولف الذى ننتقل فيه إلى الكرة بعد وقت طويل من ضربها بالمضرب وهذه الطريقة الجولفية تنفع فى الاجتماعات والمؤتمرات، لكننا لا نتناقش بالبنج بونج ولا بالتنس ولا بالجولف ولكننا نتناقش بمنطق كرة السلة التى نحاول طول الوقت أن نستحوذ على الكرة ونثبت أكفنا العقلية عليها ولا نتركها إلا على جثثنا!.

مناقشاتنا ليست حواراً من أجل المصلحة ولكنها مبارزة من أجل المذبحة.